فصل: ذكر تجديد المسجد الحرام والتوسعة فيه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 إعانة أهل حمص من المسلمين في المحرم

روى محمد بن الحسين بإسناده عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو وسعد قالوا‏:‏ خرجت الروم وقد تكاتبوا هم وأهل الجزيرة يريدون أبا عبيدة والمسلمين بحمص فضم أبو عبيدة إليه مسالحه فعسكر بفناء مدينة حمص وأقبل خالد من قنسرين حتى انضم إليه فاستشارهم أبو عبيدة في المناجزة والتحصن إلى مجيء الغِياث فكان خالد يأمره أن يناجزهم وكان سائرهم يأمرونه بأن يتحصن ويكتب إلى عمر فأطاعهم وعصى خالدًا وكتب عمر إلى سعد‏:‏ أندب الناس مع القعقاع بن عمرو وسرحهم في يومهم الذي يأتيك فيه كتابي إلى حمص فإن أبا عبيدة قد أحيط به وتقدم إليهم في الجد والحث‏.‏

وكتب إليه أيضًا‏:‏ أن سرح سهيل بن عدي إلى الجزيرة في الجند وليأت الرقة فإن أهل الجزيرة هم الذين استثاروا الروم على أهل حمص‏.‏

فمضى القعقاع في أربعة آلاف نحو حمص وخرج عمر من المدينة مغيثًا لأبي عبيدة يريد حمص حتى نزل الجابية وخرج أبو عبيدة ففتح اللّه عليه وانقض العدو وقدم القعقاع بعد ثلاث من يوم الوقعة وكتب إلى عمر بالفتح وهو بالجابية فكتب عمر‏:‏ أشركوهم فإنهم نفروا إليكم وتفرق بهم عدوكم‏.‏

وانتهى سهيل بن عدي إلى أهل الرقة وقد ارفض أهل الجزيرة فحاصرهم فصالحوه وخرج عبد الله بن عبد اللّه بن عتبان إلى نصيبين فصالحوه كما فعل أهل الرقة وسار عياض مع سهيل وعبد الله إلى حران فأخذ ما دونها فلما انتهى إليها اتقوه بالجزية فقتل منهم‏.‏

ومضى سهيل وعبد اللّه إلى الرهاء فأجابوه بالجزية واستعمل عمر حبيب بن سلمة على عجم الجزيرة وحربها واستعمل الوليد بن عقبة على عرب الجزيرة‏.‏

وقد ذكرنا أن عمر أتى الشام أربع مرات مرتين في سنة ستة عشر ومرتين في سنة سبعة عشر فأما هذه المرة فإنه لم يدخلها لأجل الطاعون والخرجة الرابعة أذن له‏.‏

بلال حين حضرت الصلاة فبكى الناس عند ذكر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكان أشدهم بكاء عمر رضي الله عنه‏.‏

أخبرنا عبد الأول قال‏:‏ أخبرنا الداودي قال‏:‏ أخبرنا ابن أعين قال‏:‏ أخبرنا الفربري قال‏:‏ حدَّثنا البخاريَ قال‏:‏ حدَّثنا عبد اللّه بن يوسف قال‏:‏ أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن عبد اللّه بن عبد اللّه بن الحارث بن نوفل عن عبد اللّه بن عباس‏:‏ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان يَسْرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيده بن الجراح وأصحابه فأخبره أن الوباء قد وقع بالشام قال ابن عباس‏:‏ قال لي عمر‏:‏ أدع لي المهاجرين الأولين‏.‏

فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام فاختلفوا فقال بعضهم‏:‏ قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ معك بقية الناس وأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال‏:‏ ارتفعوا عني‏.‏

ثم قال‏:‏ أدع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم‏.‏

فقال‏:‏ ارتفعوا عني‏.‏

ثم قال‏:‏ ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا‏:‏ نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء‏.‏

فنادى عمر في الناس‏:‏ إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه‏.‏

فقال أبو عبيدة بن الجراح‏:‏ أفرار من قدر اللّه فقال عمر‏:‏ لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قدر اللّه إلى قدر اللّه أرأيت إن كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان‏:‏ إحداهما خصيبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصيبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله قال‏:‏ فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبًا في بعض حاجته فقال‏:‏ إن عندي في هذا علمًا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه ‏"‏‏.‏

قال فحمد اللّه عمر ثم انصرف أخرجاه في الصحيحين‏.‏

وخطب عمر خطبة بليغة بالجابية أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن الحسن الباقلاوي قال‏:‏ أخبرنا أبو علي بن شاذان قال‏:‏ حدَّثنا دعلج قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد اللّه محمد بن علي بن زيد الصائغ قال‏:‏ حدَّثنا سعيد بن منصور قال‏:‏ حدَّثنا يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال‏:‏ حدَّثنا موسى بن عقبة قال‏:‏ هذه خطبة عمر بن الخطاب الناس يوم الجابية فقال‏:‏ أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى ويفنى ما سواه الذي بطاعته يكرم أولياؤه وبمعصيته يضل أعداؤه فإنه ليس لهالك هلك معذرة في تعمد ضلالة حسبها هدى ولا في ترك حق حسبه ضلالة وإن أحق ما تعاهد الراعي من رعيته أن يتعاهدهم بالذي للّه عليهم من وظائف دينهم الذي هداهم اللّه له وإنما علينا أن نأمركم بما أمركم الله به من طاعته وننهاكم عما نهاكم اللّه عنه من معصيته وأن نقيم فيكم أمر اللّه عز وجل في قريب الناس وبعيدهم ثم ولا نبالي على من مال الحق وقد علمت أن أقوامًا يتمنون في دينهم فيقولون‏:‏ نحن نصلي مع المصلين ونجاهد مع المجاهدين وننتحل الهجرة وكل ذلك يفعله أقوام لا يحملونه بحقه وإن الإيمان ليس بالتحلي وإن للصلاة وقتأَ اشترطه اللّه فلا مصلح إلا به فوقت صلاة الفجر حين يزايل المرء ليله ويحرم على الصائم طعامه وشرابه‏.‏

فذكر أوقات الصلوات قال‏:‏ ويقول الرجل‏:‏ قد هاجرت ولم يهاجر وإن المهاجرين الذين هجروا السيئات ويقول أقوام‏:‏ جاهدنا وإن الجهاد في سبيل الله مجاهدة العدو واجتناب الحرام فإن الرجل ليقاتل بطبيعته من الشجاعة فيحمي فأفهموا ما توعظون به فإن الجرب من جرب دينه وإن السعيد من وعظ بغيره وإن الشقي من شقي في بطن أمه وإن شر الأمور مبتدعاتها وإن الإقتصاد في سنة خير من الإجتهاد في بدعة وإن للناس نفرة من سلطانهم فعائذ باللّه أن تحركني فإياكم وضغائن مجبولة وأهواء متبعة ودنيا مؤثرة عليكم بهذا القرآن فإن فيه نورًا وشفاء فقد قضيت الذي علي فيما ولاني اللّه عز وجل من أموركم ووعظتكم نصحًا لكم وقد أمرنا لكم بأرزاقكم فلا حجة لكم على الله عز وجل بل الحجة له عليكم أقول قولي هذا وأستغفر اللّه لي ولكم‏.‏

وفي هذه السنة

حمى عمر رضي اللّه عنه الربدة لخيل المسلمين وقيل‏:‏ في سنة ست عشرة‏.‏

وفيها اتخذ عمر دار الدقيق فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزيت وما يحتاج إليه المنقطع والضيف الذين ينزلون بعمر ووضع عمر في طريق السبيل ما بين مكة والمدينة ما يصلح لمن ينقطع به ويحمل من ماء إلى ماء‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة

 أن عمر رضي اللّه عنه كتب التاريخ

وذلك في سنة خمس من ولايته وسنذكر سبب ذلك‏.‏

قال الشعبي‏:‏ لما هبط آدم من الجنة وانتشر ولده أرخ بنو آدم من هبوط آدم فكان التأريخ حتى بعث اللّه نوحا فأرخوا من مبعث نوح حتى كان الغرق وكان التاريخ من الطوفان إلى نار إبراهيم فلما كثر ولد إسماعيل افترقوا فأرخ بنو إسحاق من نار إبراهيم إلى مبعث يوسف ومن مبعث يوسف إلى مبعث موسى ومن مبعث موسى إلى ملك سليمان ومن ملك سليمان إلى مبعث عيسى ومن مبعث عيسى إلى أن بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين‏.‏

وأرخ بنو إسماعيل من نار إبراهيم إلى بناء البيت ومن بناء البيت حتى تفرقت معد وكانت للعرب أيام وأعلام يعدونها ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل وكلان التأريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة‏.‏

وإنما أرخ عمر بعد سبع عشرة من مهاجرة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر‏:‏ إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ‏.‏

قال‏:‏ فجمع عمر الناس للمشورة فقال بعضهم‏:‏ أرخ لمبعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم‏:‏ أرخ لمهاجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال عمر‏:‏ لا بل نؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن مهاجره فرق بين الحق والباطل‏.‏

وقال ميمون بن مهران‏:‏ رفع إلى عمر صك محله في شعبان فقال عمر‏:‏ أي شعبان الذي هوآت أو الذي نحن فيه قال‏:‏ ثم قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ضعوا للناس شيئَاَ يعرفونه فقال بعضهم‏:‏ اكتبوا على تاريخ الروم فقيل‏:‏ إنهم يكتبون من عهد في القرنين فهذا يطول‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ اكتبوا على تاريخ الفرس فقيل‏:‏ إن الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فوجدوا عشر سنين فكتب التاريخ من هجرة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن سيرين‏:‏ قام رجل إلى عمر فقال‏:‏ أرخوا فقال عمر‏:‏ ما أرخوا‏.‏

قال‏:‏ شيء تفعله الأعاجم يكتبون في شهر كذا من سنة كذا قال عمر‏:‏ حسن فأرخوا فقال‏:‏ من أي السنين نبدأ‏.‏

فقالوا‏:‏ من مبعثه وقالوا‏:‏ من وفاته ثم أجمعوا على الهجرة ثم قال‏:‏ فبأي الشهور نبدأ فقالوا‏:‏ من رمضان ثم قالوا‏:‏ المحرم فإنه منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام فأجمعوا على المحرم‏.‏

وقال سعيد بن المسيب‏:‏ جمع عمر الناس فسألهم فقال‏:‏ من أي يوم نكتب‏.‏

فقال علي رضي اللّه عنه‏:‏ من يوم هاجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وترك أرض الشرك‏.‏

ففعله عمر رضي اللّه عنه‏.‏

وقال عثمان رضي اللّه عنه‏:‏ أرخوا المحرم أول السنة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ فقد قدموا التأريخ شهرين وبعض الآخر لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الأول‏.‏

وقد قيل‏:‏ إنما كتب عمر التاريخ في سنة ست عشرة‏.‏

وقال قدامة بن جعفر الكاتب‏:‏ تاريخ كل شيء آخره وهو في الوقت غايته والموضع الذي انتهى إليه يقال‏:‏ فلان تاريخ قومه أي إليه انتهى شرفهم‏.‏

ويقال‏:‏ ورخت الكتاب توريخًا وأرخته تأريخًا اللغة الأولى لتميم والأخرى لقيس ولكل مملكة وأهل ملة تأريخ وقد كان الروم أرخوا على حسب ما وقع من الأحداث إلى أن استقر تأريخهم على وفاة ذي القرنين وكانت الفرس تؤرخ بأعدل ملك لها إلى أن استقر تأريخها على هلاك يزدجرد الذي كان آخر ملوكهم وكانت العرب تؤرخ بتفرق ولد إسماعيل وخروجهم عن مكة ثم أرخوا بعام العذرة وقال‏:‏ إن ملكًا من ملوك حمير وجه إلى الكعبة بكسوة وطيب فاعترض قوم من بني يربوع بن حنظلة الرسل فقتلوهم فانتهبوا ذلك وكانوا لا يفعلون ذلك في الأشهر الحرم فسمي عام العذرة‏.‏

ثم أرخوا بعام الفيل وكان في اليوم الثاني عشر من شباط سنة ثمانمائة واثنين وثمانين لذي القرنين ثم أرخ بسني الهجرة ابتدأ بذلك عمر بن الخطاب‏.‏

والتواريخ العربية إنما هي على الليالي وسائر تواريخ الأمم على الأيام لأن سنيهم تجري على أمر الشمس وهي نهارية وسنو العرب يعمل فيها على القمر وابتداء رؤيتنا له الليل فيقال في أول ليلة مستهل ولا يقال ذلك في النهار ويقال في آخر الشهر يوم كذا‏:‏ انسلاخ شهر كذا لأن الشهر يبتدىء بابتداء الليل وينقضي بانقضاء النهار وما قبل الخامس عشر يعرف بالليالي المواضي وإذا كان بعده عرف بالليالي البواقي‏.‏

ومن الحوادث في هذه السنة

 أن عمر عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة

لأن قومًا من بني أسد من أهل الكوفة تكلموا على سعد وقالوا‏:‏ اعفنا منه فبعث عمر من يسأل أهل الكوفة عنه فقالوا‏:‏ لا نعلم عنه إلا خيرًا وسكت قوم فلم ينطقوا بشيء‏.‏

وقال رجل يقال له أسامة‏:‏ انه لا يقسم بالسوية‏.‏

وقيل‏:‏ إنما عزله في سنة عشرين وقيل‏:‏ بل في سنة اثنتين وعشرين فعزله وأمّر أبا موسى الأشعري فشكوا منه فصرفه إلى البصرة وأمّر عليهم المغيرة‏.‏

أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداودي أخبرنا ابن أعين حدَّثنا الفربري حدَثنا البخاري حدَّثنا موسى بن إسماعيل حدَّثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال‏:‏ شكى أهل الكوفة سعدًا إلى عمر فقالوا‏:‏ لا يحسن أن يصلي فذكر عمر له ذلك فقال‏:‏ أما صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقد كنت أصلي بهم أركد في الاولتين وأحذف في الآخرين فقال‏:‏ ذاك الظن بك يا أبا إسحاق فأرسل معه رجلًا أو رجالًا يسأل عنه أهل الكوفة ولم يدع مسجد إلا سأل عنه ويقنون عنه معروفًا حتى دخل مسجدًا لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة فقال‏:‏ أما إذ نشدتنا فإن سعدًا كان لا يسير بالسوية ولا يعدل في القضية فقال سعد‏:‏ أما والله لأدعون بثلاث‏:‏ اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن فكان بعد ذلك أسامة إذا سئل يقول‏:‏ شيخ كبير مفتون أصابتني دعوة سعد‏.‏

قال عبد الملك‏:‏ فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر وإنه ليتعرض للجواري في الطريق يغمزهن‏.‏

وفي هذه السنة

 حج بالناس عمر

واستخلف على المدينة زيد بن ثابت وكان عامله في هذه السنة على مكة عتاب بن السائب وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص وعلى اليمن يعلى بن منبه وعلى اليمامة والبحرين العلاء بن الحضرمي وعلى عُمان حذيفة بن محصن وعلى الشام كلها أبو عبيدة بن الجراح وعلى الكوفة سعد بن أبي وقاص فلما عزله عمر قيل له‏:‏ من خليفتك يا سعد على الكوفة فقال‏:‏ عبد اللّه بن عبد الله بن عتبان‏.‏

وفي هذه السنة

 أعزل خالد بن الوليد

خرج خالد بن الوليد وعياض بن غنم فسارا في دروب المشركين فأصابا أموالًا عظيمة فلما قفل خالد انتجعه الأشعث بن قيس فأجازه بعشرة آلاف وكان عمر لا يخفى عليه من عماله شيء فكتب إليه بما يجري فدعا البريد وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالدًا ويعقله بعمامته وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمكم من أين إجازة الأشعث أمن ماله أم من إصابة أصابها فإن زعم أنها من إصابة أصابها فقد باء بجناية وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف فاعزله على كل حال‏.‏

فكتب أبو عبيدة إلى خالد فقدم عليه فجمع له أناس وجلس لهم على المنبر وتكلم البريد فقال‏:‏ يا خالد أمن مالك أجزت بعشرة آلاف أم من إصابة فلم يجبه حتى أكثر عليه فقام بلال فقال‏:‏ إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وتناول عمامته فنفضها ووضع قلنسوته ثم عقله بعمامته وقال‏:‏ ما تقول أمن مالك أم من إصابة‏.‏

قال‏:‏ لا بل من مالي فأطلقه وأعاد قلنسوته ثم عممه بيده‏.‏

فخرج خالد حتى قدم على عمر فقال عمر‏:‏ من أين هذا الثراء قال‏:‏ من الأنفال والسُّهمان فقال عمر‏:‏ لا تغلبني بعد اليوم وكتب عمر إلى الأمصار‏:‏ إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا عن خيانة ولكن الناس قد فتنوا به فخفت أن يوكلوا إليه فأحببت أن يعلموا أن اللّه عز وجل هو الصانع‏.‏

 ذكر تجديد المسجد الحرام والتوسعة فيه

وفي هذه السنة اعتمر عمر وخلف على المدينة زيد بن ثابت وبنى المسجد الحرام ووسع فيه وأقام بمكة عشرين ليلة وتزوج في مكة ابنة حفص بن المغيرة فأخبر أنها عاقر فطلقها قبل أن يدخل بها فرجعت إلى زوجها الأول‏.‏

وفي هذه العمرة‏:‏ أمر بتجديد أنصاب الحرم وأمر بذلك مخرمة بن نوفل وأزهر بن عبد عوف وحويطب بن عبد العزى وسعيد بن يربوع‏.‏

ومر عمر في طريقه فكلمه أهل المياه أن يبتنوا منازك بين مكة والمدينة فأذن لهم وشرط عليهم أن ابن السبيل أحق بالظل والماء‏.‏

 عزل المغيرة عن البصرة وولاية أبي موسى الأشعري

وفي هذه السنة ولى عمر أبا موسى الأشعري البصرة وأمره أن يشخص إليه المغيرة لأجل الحدث الذي قيل عنه‏.‏

قال علماء السير‏:‏ كان المغيرة يختلف إلى أم جميل امرأة من بني هلال وليس لها زوج فأعظم ذلك أهل البصرة فدخل عليها يومًا وقد وضعوا له الرصد فكشفوا الستر فرأوه قد واقعها فركب أبو بكرة إلى عمر رضي الله عنه فقص عليه القصة وكان معه نافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد وهم الذين شهدوا على المغيرة‏.‏

فقال المغيرة‏:‏ هؤلاء الأعبد كيف رأوني إن كان استقبلوني فكيف لم أستتر أو استدبروني فبأي شيء استحلوا النظر إليّ في منزلي على امرأتي والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها فشهد أبو بكرة أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة وشهد شبل مثل ذلك وشهد نافع مثل ذلك ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم وإنما قال‏:‏ رأيته جالسًا بين رجلي امرأة ورأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفين وسمعت حفزانًا شديدًا فقال له‏:‏ هل رأيت كالميل في المكحلة قال‏:‏ لا قال‏:‏ فهل تعرف المرأة‏.‏

قال‏:‏ لا ولكن أشبهها قال‏:‏ فتنح وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد‏.‏

وقرأ‏:‏ ‏{‏فَإِذَ لَمْ يَأْتُوا بالشًهَدَاءِ فَأولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الكَاذِبون‏}‏ النور 33‏.‏

وقد قيل إن هذا كان في سنة خمس عشرة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ من الجائز أن يكون قد تزوجها ولم يُعْلِمْ أحدًا وقد كانت تشبه زوجته‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ للفقهاء تأويلات فقد كانت المتعة عقدًا في الشرع وكان نكاح السر عند قوم زنا ولا يجوز أن ينسب إلى الصحابي ما لا يجوز لأنه جهل بمقدار الضرر في ذلك‏.‏

وفيها فتحت سوق الأهواز ومنافر ونهر تيري وبعضهم يقول‏:‏ إنما كان ذلك في سنة ست وفيها فتحت تستر وبعضهم يقول‏:‏ في سنة تسع عشرة‏.‏

 وفيها كان فتح رامهرمز والسوس

وفيها أسر الهرمزان أخبرنا محمد بن الحسين وإسماعيل قالا‏:‏ أبرنا ابن النقور قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدَّثنا شعيب قال حدَّثنا سيف عن محمد وطلحة والمهلب وعمرو قالوا‏:‏ لم يزل يزدجرد يثير أهل فارس أسفًا على ما خرج منهم فكتب إليهم وهو بمرو ويذكرهم الأحفاد ويؤنبهم أن قد رضيتم يا أهل فارس أن قد غلبتكم العرب على السواد وما والاه والأهواز‏.‏

ثم لم يرضوا بذلك حتى يوردوكم في بلادكم وعقر داركم فتحركوا وتكاتب أهل فارس وأهل الأهواز وتعاهدوا وتواثقوا على أهل البصرة فكتب إلى عمر بذلك فكتب عمر إلى سعد‏:‏ أن ابعث إلى الأهواز بعثًا كثيفًا مع النعمان بن مقرن وعجل وابعث معه سويد بن مقرن وجرير بن عبد الله فلينزلوا بإزاء الهرمزان حتى يتبينوا أمره‏.‏

وكتب إلى أبي موسى‏:‏ أن ابعث إلى الأهواز جندًا كثيفًا وأمِّر عليهم سهل بن عدي وابعث معه البراء بن مالك في جماعة سماهم وعلى أهل الكوفة وأهل البصرة جميعًا أبا سبرة بن أبي رهم فكل من أتاه فمدد له‏.‏

وخرج النعمان بن مقرن في أهل الكوفة فأخذ واسط السواد حتى قطع دجلة بحيال ميسان ثم أخذ البر إلى الأهواز فانتهى إلى نهر تيري فجازها ثم جاز منافر ثم جاز سوق الأهواز ثم سار نحو الهرمزان والهرمزان يومئذ برامَهُرمز ولما سمع الهرمزان بمسير النعمان إليه بادره فالتقيا فاقتتلا قتالًا شديدًا ثم أن اللّه تعالى هزم الهرمزان فلحق بتستر‏.‏

وسار النعمان حتى نزل برامهرمز وكان الهرمزان قد صالح المسلمين ثم نكث فحاصره المسلمون فأكثروا فيهم القتل‏.‏

وقتل البراء بن مالك فيما بين أول ذلك الحصار إلى أن فتح الله على المسلمين مائة مبارزة وزاحفهم المسلمون في أيام تستر ثمانين مرة في حصارهم حتى إذا كان في آخر زحف منها واشتد القتال قال المسلمون‏:‏ يا براء أقسم على ربك ليهزمنهم لنا فقال‏:‏ اللهم اهزمهم لنا واستشهدني فهزموهم حتى أدخلوهم في خنادقهم ثم اقتحموها عليهم وأرزوا إلى مدينتهم وأحاطوا بها‏.‏

فبيناهم على ذلك خرج إلى النعمان رجل فاستأمنه على أن يدله على مدخل يؤتون منة فآمنه فدلهم فأقبلوا إلى ذلك المكان فأناموا كل مقاتل وأرزأوا الهرمزان إلى القلعة وأطافوا به فقال‏:‏ معي مائة نشابة واللّه لا تصلون إليَ ما دامت معي منها واحدة قالوا‏:‏ تريد ماذا قال‏:‏ أن أضع يدي في أيديكم على حكم عمر يصنع بي ما يشاء قالوا‏:‏ فلك ذلك فرمى قوسه فأمكنهم من نفسه فشدوه وثاقًا واقتسموا ما آفاء اللهّ عليهم وكان سهم الفارس فيها ثلاثة آلاف والراجل ألفًا‏.‏

وخرج من تستر فل فقصدوا السوس فاتبعهم أبو سبرة وخرج معه بالنعمان وأبي موسى والهرمزان فلما أحاطوا به كتبوا بذلك إلى عمر ووفد أبو سبرة وفدًا إلى عمر فيهم أنس بن مالك والأحنف بن قيس وأرسل الهرمزان معهم فلما دخلوا المدينة هيئوا الهرمزان في هيئته فألبسوه كسوته ووضعوا على رأسه التاج فوجدوا عمر نائمًا في جانب المسجد فقال الهرمزان‏:‏ أين عمر قالوا‏:‏ ها هو ذا قال‏:‏ أين حراسه وحجابه قالوا‏:‏ ليمس له حارس ولا حاجب قال‏:‏ فينبغي أن يكون نبيًا قالوا‏:‏ بل يعمل عمل الأنبياء‏.‏

واستيقظ عمر فقال‏:‏ الهرمزان قالوا‏:‏ نعم هذا ملك الأهواز فكلمه فقال‏:‏ لا حتى لا يبقى من حليه شيء فرموا ما عليه وألبسوه ثوبًا صفيقًا فقال عمر‏:‏ يا هرمزان كيف رأيت وبال الغدر فقال‏:‏ يا عمر إنا وإياكم في الجاهلية كان الله قد خلى بيننا وبينكم فغلبناكم إذ لم يكن معنا ولا معكم فلما كان معكم غلبتمونا‏.‏

فقال عمر‏:‏ ما عذرك وما حجتك في انتقاضك مرة بعد مرة فقال‏:‏ أخاف أن تقتلني قبل أن أخبرك قال‏:‏ لا تخف ذلك واستسقى ماء فأتي به في قدح غليظ فقال‏:‏ لو مت عطشًا لم أستطع أن أشرب في هذا فأتي به في إناء يرضاه فجعلت يده ترعد وقال‏:‏ إني أخاف أن أقتل وأنا أشرب الماء فقال عمر‏:‏ لا بأس عليك حتى تشربه فأكفأه فقال عمر‏:‏ أعيدوا عليه ولا تجمعوا عليه القتل والعطش فقال‏:‏ لا حاجة لي في الماء إنما أردت أن أستأمن به فقال له عمر‏:‏ إني قاتلك قال‏:‏ قد آمنتني قال‏:‏ كذبت فقال أنس‏:‏ صدق يا أمير المؤمنين قد آمنته قال‏:‏ ويحك يا أنس أنا أؤمّن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك واللهّ لتأتين بمخرج أو لأعاقبنّك قال‏:‏ قلت له‏:‏ لا بأس عليك حتى تخبرني وقلت‏:‏ لا بأس عليك حتى تشربه وقال له من حوله مثل ذلك فأقبل على الهرمزان وقال‏:‏ تخدعني والله لا أنخدع إلا أن تسلم فأسلم‏.‏

ففرض له على ألفين وأنزله المدينة‏.‏

فصل

وقال الأحنف لعمر‏:‏ يا أمير المؤمنين إنك نهيتنا عن الانسياح في البلاد وأمرتنا بالاقتصار على ما في أيدينا وإن ملك فارس حيّ بين أظهرهم وإنهم لا يزالون يساجلوننا ما دام ملكهم فيهم ولم يجتمع ملكان فاتفقا حتى يخرج أحدهما صاحبه وأن ملكهم هو الذي يبعثهم فلا يزال هذا دأبهم حتى تأذن لنا فنسيح في بلادهم حتى نزيله عن فارس ونخرجه من مملكته ونقتله أو نلجئه إلى غير مملكته وغير أمته فهنالك ينقطع رجاء أهل فارس فقال‏:‏ صدقتني والله وشرحت لي الأمر‏.‏

ثم نظر في حوائجهم وسرحهم‏.‏

وقدم على عمر الكتاب باجتماع أهل نهاوند‏.‏

 ذكر فتح السوس

وأقام أبو سبرة على السوس يحاصرهم فأشرف عليهم الرهبان فقالوا‏:‏ يا معشر العرب إن مما عهد إلينا علماؤنا أنه لا يفتح السوس إلا الدجال أو قوم معهم الدجال وكان ابن صياد مع المسلمين فأتى باب السوس فدفعه برجله وقال‏:‏ انفتح فتقطعت السلاسل وتفتحت الأبواب ودخل المسلمون فألقى المشركون بأيديهم وقالوا‏:‏ الصلح الصلح فأجابوهم واقتسموا ما أصابوا قبل الصلح ثم افترقوا‏.‏

وقيل لأبي سبرة‏:‏ هذا جسد دانيال عليه السلام في هذه المدينة قال‏:‏ وما علمي به وكان دانيال قد مات بالسوس أو كانوا يستسقون بجسده فلما ولى أبو سبرة إلى جنديسابور أقام أبو موسى بالسوس وكتب إلى عمر رضي اللّه عنه في أمر دانيال عليه السلام فكتب إليه يأمره أن يواريه فكفنه ودفنه المسلمون‏.‏

وكتب أبو موسى إلى عمر بأنه كان عليه خالم فهو عندنا فكتب إليه أن تختمه وفي فصه نقش رجل بين أسدين‏.‏

ولما ذهب أبو سبرة إلى جند يسابور أقام إلى أن رمى إليهم بالأمان من عسكر المسلمين ففتحوا الأبواب وخرج السرح فقال المسلمون‏:‏ ما لكم‏.‏

قالوا‏:‏ رميتم إلينا بالسلام فقبلناه وأقررنا لكم بالجزية قالوا‏:‏ ما فعلنا‏.‏

فسأل المسلمون فيما بينهم فإذا عبد يدعى مكنفًا كان أصله منها هو الذي كتب لهم‏.‏

فقالوا‏:‏ إنما هو عبد وكتبوا بذلك إلى عمر فأجاز ذلك وانصرفوا عنهم‏.‏

فصل

ثم أن عمر رضي الله عنه أذن في الانسياج في بلاد فارس في هذه السنة وانتهى في ذلك إلى رأي الأحنف بن قيس الذي قدمنا ذكره فأمر الأمراء وبعث إليهم الألوية ليخرجوا إلى الكور فلم يستتب مسيرهم حتى دخلت سنة ثمان عشرة وأمدهم عمر وكان يزدجرد بن شهريار بن كسرى وهو يومئذ ملك أهل فارس لما انهزم أهل جلولاء خرج يريد الريّ ثم خرج إلى أصبهان ثم إلى خرسان فنزل مرو وبنى للنار بيتًا واتخذ بستانًا وبنى فرسخين من مرو إلى البستان واطمأن في نفسه وأمن أن يؤتى وكاتب من بقي من الأعاجم مما لم يفتحه المسلمون فدانوا له‏.‏

وفي هذه السنة

 تزوج عمر رضي اللّه عنه أم كلثوم بنت علي رضي اللّه عنه

وهي ابنة فاطمة رضي اللهّ عنها وكان قد خطبها إلى علي فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إنها صبية فقال‏:‏ إنك واللهّ ما بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك فأمر علي بها فصنعت ثم أمر ببرد فطواه ثم قال‏:‏ انطلقي بهذا إلى أمير المؤمنين فقولي‏:‏ أرسلني أبي إليك وهو يقرئك السلام ويقول إن رضيت البرد فأمسكه وإن سخطته فرده فلما أتت عمر قال‏:‏ بارك اللّه فيك وفي أبيك قد رضينا‏.‏

قالت‏:‏ فرجعت إلى أبيها فقالت‏:‏ ما نشر البرد وما نظر إلا إليِّ فزوجها إياه ولم تكن قد بلغت فدخل بها في ذي القعدة ثم ولدت له زيدًا‏.‏

أخبرنا ابن الحصين قال‏:‏ أخبرنا أبو طالب محمد بن محمد بن غيلان قال‏:‏ حدَثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏ حدَّثني جعفر بن محمد بن كزال قال‏:‏ حدَثنا إسحاق بن المنذر قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن عبد الملك الأنصاري قال‏:‏ حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللهّ قال‏:‏ تزوج عمر بن الخطاب أم كلثوم بنت فاطمة بنت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على أربعين ألف درهم‏.‏

أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب بإسناده عن الزبير بن بكار قال‏:‏ كان عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه خطب أم كلثوم إلى علي بن أبي طالب فقال له علي‏:‏ إنها صغيرة فقال له عمر‏:‏ زوجنيها يا أبا الحسن فإني أرصد من كرامتها ما لا يرصد أحد فقال له علي‏:‏ أنا أبعثها إليك فإن رضيتها زوجتكها فبعثها إليه ببرد وقال لها‏:‏ قولي له‏:‏ هذا البرد الذي قلت لك فقالت ذلك لعمر فقال‏:‏ قولي قد رضيته رضي اللّه عنك وضع يده على ساقها وكشفها فقالت له‏:‏ أتفعل هذا لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك ثمِ خرجت حتى جاءت أباها فأخبرته الخبر وقالت‏:‏ بعثتني إلى شيخ سوء فقال‏:‏ مهلاَ يا بنية فإنه زوجك فجاء عمر بن الخطاب إلى مجلس المهاجرين في الروضة وكان يجلس فيه المهاجرون الأولون فجلس إليهم فقال لهم‏:‏ رقيوني فقالوا‏:‏ لماذا يا أمير المؤمنين قال‏:‏ تزوجت أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ كل نسب وسبب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي وصهري فكان لي به السبب والنسب وأردت أن أجمع إليه الصهر فرقأوه رضي اللّه عنهم‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

البراء بن مالك

ابن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام‏:‏ أمه أم سليم بنت ملحان وهو أخو أنس لأبويه شهد أحدًا والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان شجاعًا ذا نكاية في الحروب وكان عمر يكتب‏:‏ لا تستعملوا البراء على جيش من جيوش المسلمين إنه مهلكه يقدم بهم وإنه ركب فرسه يوم اليمامة وقال‏:‏ يا أيها الناس إنها واللّه الجنة وما إلى المدينة من سبيل فمضغ فرسه مضغات ثم كبس وكبس الناس معه فهزم اللّه المشركين وكانت في مدينتهم ثلمة‏.‏أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أنبأنا البرمكي أخبرنا ابن حيوية أخبرنا ابن معروف أخبرنا ابن الفهم أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ حدَّثنا حجاج بن محمد قال‏:‏ أخبرنا السري بن يحيى عن محمد بن سيرين‏:‏ أن المسلمين انتهوا إلى حائط قد أغلق بابه فيه رجال من المشركين فقعد البراء بن مالك على ترس وقال‏:‏ ارفعوني برماحكم فالقوني إليهم ففعلوا فأدركوه وقد قتل منهم أخبرنا أبو البركات ابن علي البزاز أخبرنا أحمد بن علي الطرثيثي أخبرنا هبة الله بن الحسن الطبري أخبرنا محمد بن عبد الرحمن حدَّثنا عبد اللّه بن محمد بن زياد حدَثنا محمد بن عزيز قال‏:‏ حدَّثني سلامة بن روح عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على اللّه لأبره منهم البراء بن مالك ‏"‏‏.‏

وأن البراء لقي زحفًا من المشركين وقد أوجف المشركون في المسلمين فقالوا‏:‏ يا براء إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال إنك لو أقسمت على اللّه لأبرك فاقسم على ربك فقال‏:‏ أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم‏.‏

ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجفوا في المسلمين فقالوا‏:‏ اقسم يا براء على ربك فقال‏:‏ أقسمت عليك يا ربي لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيي صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل شهيدًا‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ قد ذكرنا آنفًا أنه قتل يوم تستر‏.‏

حدير‏:‏ جاء في الحديث أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قسم في بعض الأيام قسمًا ونسي حديرًا فنزل جبريل فقال‏:‏ يا محمد نسيت حديرًا فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في طلبه قال الذي ذهب في طلبه‏:‏ فأدركته وهو يقول‏:‏ سبحان الله والحمد للّه ولا إله إلا الله واللّه أكبر فقلت‏:‏ يا هذا ارجع إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقد عوتب فيك فقال‏:‏ يا من لم تنس حديرًا اجعل حديرًا لا ينساك‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرنا عبد العزيز بن علي الأزجي أخبرنا إبراهيم بن محمد بن جعفر الساجي حدَّثنا عبد العزيز بن جعفر حدَّثنا أبو بكر الجلال حدَّثنا أحمد بن يحيى بن عطاء بن مسلم الباهلي حدَّثنا المغيرة حدَثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشَاَ فيهم رجل يقال له حدير وكانت تلك السنة قد أصابتهم شدة من قلة الطعام فزودهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسي أن يزود حديرًا فخرج حدير صابرًا محتسبًا وهو في آخر الركب يقول‏:‏ لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان اللّه ولا حول ولا قوة إلا بالله ويقول‏:‏ نعم الزاد هو يا رب فهو يرددها وهو في آخر الركب‏.‏

قال‏:‏ فجاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له‏:‏ إن ربي أرسلني إليك يخبرك أنك زودت أصحابك ونسيت أن تزود حديرًا وهو في آخر الركب يقول‏:‏ لا إله إلا اللّه والله أكبر والحمد للّه وسبحان اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه ويقول‏:‏ نعم الزاد هو يا رب‏.‏

قال‏:‏ وكلامه ذلك له نور يوم القيامة ما بين السماء والأرض فابعث إليه بزاد فدعا النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فدفع إليه الزاد حفظ عليه ما يقول ويقول له‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله ويخبرك أنه كان نسي أن يزودك وإن ربي تبارك وتعالى أرسل إلي جبريل يذكرني بك فذكره جبريل وأعلمه مكانك‏.‏

قال‏:‏ فانتهى إليه وهو يقول‏:‏ لا إله إلا اللّه واللّه أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا باللّه ويقول‏:‏ نعم الزاد هذا يا رب‏.‏

قال‏:‏ فدنا منه ثم قال له‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله وقد أرسلني إليك بزاد ويقول‏:‏ إنما نسيتك فأرسل إلي جبريل من السماء يذكرني بك‏.‏

قال‏:‏ فحمد اللّه وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ الحمد للّه رب العالمين ذكرني ربي من فوق سبعٍ سموات وفوق عرشه ورحم جوعي وضعفي يا رب كما لم تنس حديرًا فاجعل حديرًا لا ينساك‏.‏

قال‏:‏ فحفظ ما قال فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما سمع منه حين أتاه وبما قال حين أخبره فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ أما إنك لو رفعت رأسك إلى السماء لرأيت لكلامه نورًا ساطعًا ما بين السماء والأرض‏"‏‏.‏

الحباب بن المنذر

ابن الجموح بن زيد بن حرام أبو عمرو‏:‏ وهو الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بالمكان الذي نزل فيه فقال جبريل‏:‏ الرأي ما أشار به الحباب وشهد بدراَ وثبتَ مع رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبايعه على الموت وشهد المشاهد كلها معه وهو القائل يوم السقيفة‏:‏ أنَا جذيلها المحكَك وعُذَيْقُهَا المُرَجب منا أمير ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أبو أروى‏:‏ وكان من أولاده صبي استرضع له في هذيل فقتله بنو ليث بن بكر في حرب كانت بينهم وكان حينئذ يحبو أمام البيوت فرموه بحجر فرضخ رأسه فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح‏:‏ ألا إن كل دم في الجاهلية فهو تحتَ قدمي وأول دم اضَعُهُ دم ابن ربيعة بن الحارث ‏"‏‏.‏

وقد اختلفوا في اسم هذا الصبي فقال بعضهم‏:‏ تمام وقال بعضهم‏:‏ إياس وقال بعضهم‏:‏ آدم وكان غلط من هؤلاء لأنهم رأوا في الكتاب دم ابن ربيعة فزادوا ألفًا‏.‏

وكان ربيعة أسن من عمه العباس بسنتين‏.‏

ولما خرج المشركون إلى بدر كان ربيعة غائبًا بالشام فلم يشهدها معهم فلما خرج العباس ونوفل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سبقهما ربيعة بن الحارث إلى الأبواء ثم أراد الرجوع إلى مكة فقالا‏:‏ أين ترجع‏.‏

إلى دار الشرك يقاتلون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويكذبونه وقد عزّ وكثرت أصحابه ارجع‏.‏

فرجع معهما حتى قدموا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مسلمين فشهد ربيعة مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فتح مكة والطائف وحنين وثبت معه يومئذ وتوفي في خلافة عمر رضي اللّه عنه بعد أخويه نوفل وأبي سفيان‏.‏

العلاء بن الحضرمي

واسم الحضرمي عبد الله بن ضماد بن سلمى‏:‏ من حضرموت من اليمن وأخوه ميمون بن الحضرمي صاحب البئر التي بأعلى مكة يقال لها‏:‏ بئر ميمون مشهورة على طريق العراق وكان حفرها في الجاهلية‏.‏

وأسلم العلاء قديمًا وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الجعرانة إلى المنذر بن ساوي العبدي بالبحرين وكتب معه كتابًا يدعوه فيه إلى الإسلام ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولّى العلاء البحرين ثم عزله عنها وبعث أبا سعيد عاملا عليها فلم يزل عليها إلى أن توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأقبل إلى المدينة وترك العمل فبعث أبو بكر العلاء‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ حدَّثنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن عبد اللّه بن أبي سيف عن أبي إسماعيل الهمداني وغيره عن مجالد عن الشعبي قال‏:‏ كتب عمر بن الخطاب إلى العلاء بن الحضرمي وهو بالبحرين‏:‏ أن سر إلى عتبة بن غزوان فقد وليتك عمله واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين قد سبقت لهم من الله ورسوله الحسنى لم أعزله أن لا يكون عفيفًا صليبًا شديد البأس ولكني ظننت أنك أغنى عن المسلمين في تلك الناحية منه فاعرف له حقه وقد وليت قبلك رجلًا فمات قبل أن يصل فإن يرد اللّه أن يلي عتبة فالخلق والأمر للّه رب العالمين‏.‏

واعلم أن أمر اللّه محفوظ بحفظه الذي أنزله فانظر إلى الذي خلقت له فاكدح له ودع ما سواه فإن الدنيا أمد والآخرة أبد ولا يشغلنك شيء مدبر خيره عن شيء باق خيره واهرب إلى اللّه عز وجل من سخطه فإن الله عز وجل يجمع لمن شاء الفضيلة في حكمه وعلمه نسأل الله لنا ولك العون على طاعته والنجاة من عذابه‏.‏

قال‏:‏ فخرج العلاء من البحرين وقدم البصرة في رهط منهم أبو هريرة وأبو بكرة فلما كانوا قريبًا من أرض تميم مات العلاء فرجع أبو هريرة إلى البحرين وأبو بكرة قدم البصرة فكان أبو هريرة يقول‏:‏ رأيت من العلاء بن الحضرمي ثلاثة أشياء لا أزال أحبه أبدًا‏:‏ رأيته قطع البحر على فرسه يوم دارين وقدم من المدينة يريد البحرين فلما كنا بالدهناء فقد ماؤهم فدعا اللّه عز وجل فنبع لهم ماء من تحت رمله فارتووا وارتحلوا ونسي رجل منهم بعض متاعه فرجع فأخذه ولم يجد الماء‏.‏

وخرجت معه من البحرين إلى البصرة فمات ونحن على غير ماء فأبدى اللّه لنا سحابة فمطرنا فغسلناه وحفرنا له بسيوفنا ولم نلحد له فدفناه ومضينا فقلنا‏:‏ رجل من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم دفناه ولم نلحد له فرجعنا فلم نجد موضع قبره‏.‏

عمرو بن عنبسة

ابن خالد بن حذيفة أبو نجيح السلمي‏:‏ قديم الإسلام كان يقول‏:‏ رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها باطلة فلقيت رجلًا من أهل الكتاب فقلت‏:‏ إني امرؤ ممن يعبد الحجارة فينزل الحيّ ليسِ معهمِ إله فيخرج الرجل منهم فيأتي بأربعة أحجار فينصب ثلاثة لقدره ويجعل أخْيرها إلهاَ يعبده ثم لعله يجد أحسن منه فيتركه ثم يأخذ غيره فرأيت أن هذا باطل فدلني على خير من هذا فقال‏:‏ يخرج من مكة رجل يرغب عن آلهة قومه فإذا رأيت ذلك فاتبعه فإنه يأتي بأفضل الدين فلم يكن لي همة إلا مكة فآتي فأسأل‏:‏ هل حدث بها حدث فيقال‏:‏ لا ثم قدمت مرة فسألت فقالوا‏:‏ حدث رجل يرغب عن آلهة قومه فسألت عنه فوجدته مستخفيًا ووجدت قريشًا عليه أشدّاء فتلطفت حتى دخلت عليه فسألته فقلت‏:‏ أي شيء أنت قال‏:‏ نبي قلت‏:‏ ومن أرسلك قال‏:‏ اللّه قلت‏:‏ وبما أرسلك‏.‏

قال‏:‏ بعبادة اللّه وحده لا شريك له وبحقن الدماء وبكسر الأوثان وصلة الرحم وأمان السبيل‏.‏

قلت‏:‏ نعم ما أرسلك به قد آمنت بك وصدقتك فمن تبعك‏.‏

قال‏:‏ حرّ وعبد وليس معه إلا أبو بكر وبلال فلقد رأيتني وأنا رابع الإسلام ثم قلت‏:‏ أتأمرني أن أمكَث معك أو أنصرف فقال‏:‏ ألا ترى كراهية الناس لما جئت به فلا تستطيع أن تمكث كن في أهلك فإذا سمعت بي قد خرجت مخرجًا فاتبعني فمكثت في أهلي حتى إذا خرج إلى المدينة سرت إليه فقدمت المدينة فقلت‏:‏ يا نبي اللّه أتعرفني قال‏:‏ أنت السلمي الذي أتيتني بمكة فسألتني عن كذا فقلت لك‏:‏ كذا فقلت‏:‏ أي الليل أسمع‏.‏

قال‏:‏ الثلث الأخير‏.‏

قال الواقدي‏:‏ كان عمرو بن عنبسة ينزل صفنة وجادة وهي من أرض بني سليم فلم يزل مقيمًا هناك حتى مضت بدر عتبة بن غزوان بن جابر المازني‏:‏ وقد تقدم خبره بمسيرة إلى فَرْج الهند ويكنى أبا عبد الله‏.‏

هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية وشهد بدرًا واستعمله عمر على البصرة وهو الذي مصرها واختطها ثم قدم على عمر فرده إلى البصرة واليًا فمات في الطريق في هذه السنة‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة خمس عشرة وهو ابن سبع وخمسين وقيل‏:‏ خمس وخمسين‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الأزهري حدَّثنا أحمد بن إبراهيم البزار حدَّثنا جعفر بن أحمد المروزي حدَّثنا السري بن يحيى حدَّثنا شعيب بن إبراهيم حدَّثنا سيف بن عمر عن محمد وطلحة والمهلب وزياد وعمرو قالوا‏:‏ مصّر المسلمون المدائن وأوطنوها حتى إذا فرغوا من جلولاء وتكريت وأخذوا الحصنين كتب عمر إلى سعد‏:‏ أن ابعث عتبة بن غزوان إلى فَرْج الهند فليرتد منزلًا يُمصّره وابعث معه سبعين من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فخرج عتبة بن غزوان في سبعمائة من المدائن فسار حتى نزل شاطىء دجلة وتبوأ دار مقامه‏.‏

أخبرنا هبة اللّه بن محمد بن الحصين أخبرنا أبو علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر حدثَنا عبد اللهّ بن أحمد قال‏:‏ حدَّثني أبي حدَّثنا بهز بن أسد حدَّثنا سليمان بن المغيرة حدَثنا حميد بن هلال عن مخالد بن عمير قال‏:‏ خطب عتبة بن غزوان فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال‏:‏ أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بِصُرْمٍ وولت حَذَاءَ ولم يبق منها إلا صُبَابة كَصُبابَةِ الإناء يَتَصابُها صاحبها وأنتم منتقلون بعدها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا بخير ما بحضرتكم فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شقة جهنم فيهوى فيها سبعين عامًا ما يدرك لها قعرًا والله لَتُمْلأن أفَعَجِبْتُمْ واللّه لقد ذكر لنا أن ما بين مصراعي الجنة مسيرة أربعين عامًا وليأتين عليه يوم وهو كظيظ بالزحام ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مالنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا وإني التقطت بُرْدة فشققتها بيني وبين سعد فاتزر بنصفها واتزرت بنصفها فما أصبح اليوم منا أحد إلا أصبحِ أمير مصر من الأمصار وإني أعوذ باللّه أن أكون في نفسي عظيمًا وعند اللّه صغيراَ وإنها لم تكن نبوة قط إلا تناسخت حتى يكون آخرها مُلْكًا فَسَتَخْبُرُونَ وتُجَرِّبُونَ الأمراء بعدنا‏.‏

انفرد بإخراجه مسلم وليس لعتبة في الصحيح غيره‏.‏

رواه أحمد بن حنبل قال‏:‏ حدَّثنا بهز بن راشد قال‏:‏ حدَثنا سليمان بن المغيرة قال‏:‏ حدَّثنا حميد يعني ابن هلال عن خالد بن عمير قال‏:‏ خطب عتبة بن غز وان‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابتَ أخبرنا ابن بشران أخبرنا ابن صفوان حدَّثنا ابن أبي الدنيا حدَّثنا محمد بن سعد حدَثنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدَّثني عبد الله وإبراهيم بن عبد اللّه من ولد عتبة بن غزوان قالا‏:‏ قدم عتبة المدينة في الهجرة وهو ابن أربعين سنة وتوفي وهو ابن خمس وسبعين سنة وكان طوالًا جميلًا يكنى أبا عبد اللّه ومات سنة سبع عشرة بطريق البصرة عاملًا لعمر بن الخطاب عليها‏.‏

قال ابن سعد‏:‏ وأخبرني الهيثم بن عدي قال‏:‏ كانت كنيته أبا غزوان‏.‏

قال الواقدي‏:‏ يقال‏:‏ كان عتبة مع سعد بن أبي وقاص فوجهه إلى البصرة بكتاب عمر إليه يأمره بذلك فوليها ستة أشهر ثم خرج على عمر‏.‏

وقد قال خليفة بن خياط‏:‏ توفي سنة أربع عشرة‏.‏

وقال أبو حسان الزيادي‏:‏ سنة خمس عشرة‏.‏

وقيل‏:‏ ستة عشرين‏.‏

وسبع عشرة أصح فتحت لأن المدائن فتحت سنة ست عشرة ثم مصرت البصرة بعد ذلك‏.‏

مالك بن قيس بن ثعلبة بن العجلان أبو خيثمة

شهد أحدًا والمشاهد بعدها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وتخلف عن تبوك عشرة أيام فدخل يومًا على امرأتين له في يوم حار فوجدهما في عريشين لهما قد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له ماء وهيأت له طعامًا فقال‏:‏ سبحان اللهّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظلال بارعة وطعام مهيأ وامرأتين حسناوين واللّه لا أدخل عريش واحدة منكما ولا أكلمكما حتى ألحق برسول اللّه صلى الله عليه وسلم فخرج إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ أولى لك يا أبا خيثمة فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم خبره فقال له رسول اللهّ صلى الله أم عطية الأنصارية واسمها نسيبة بضم النون وفتح السين بنت كعب‏:‏ أسلمت وبايعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وغزت معه سبع غزوات وكانت تخلفهم في الرجال وتصنع لهم الطعام وتقوم على المرضى وتداوي الجرحى‏.‏